تجاهل الآخر والإقصاء... الفاشية في لباس القومية الإيرانية

تعتقد شادي أمين أن الفاشية، حتى وإن تظاهرت بالوحدة والقومية، تعتمد دائماً على الإقصاء والاستبعاد وتجاهل "الآخر"، وغالباً ما تكون النساء والأقليات والمعارضون هم أول ضحاياها.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ في الآونة الأخيرة قتلت كبرى رضائي وهي فتاة مهاجرة أفغانية تبلغ من العمر 26 عاماً في العاصمة الإيرانية طهران، إلى جانب جريمة قتل إلهة حسين نجاد، وتزامنت هذه الجرائم مع اغتصاب جماعي لامرأة كورية من قبل رياضيين إيرانيين والتي أثارت ردود الفعل المتطرفة والضحية المستحقة للوم في هذه الحادثة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول كيف يتم تشكيل استجابة الناشطين المدنيين والناشطين الذين يسمون أنفسهم ناشطين سياسيين والمجتمع ككل لكل من هذه الحوادث؟

النرجسية الجماعية والفاشية لا تستهدف الأطفال والمهاجرين فحسب، بل تُهيئ أيضاً بيئة خصبة للقتل والعنف والاغتصاب ضد النساء. في هذا المجتمع، يُنظر للنساء أحياناً على أنهن "الآخر" الذي يُهان أو يُقمَع أو يُتجاهل بطريقة ما.

للتعرف أكثر على دور الفاشية وإيمان بعض الأفراد بتفوقها وعظمتها، وكيف تؤثر على ردود الأفعال؟ وكيف يمكن للأطفال أن يشعروا بالأمان في هذا المجتمع؟ أجرت وكالتنا حوار مع الناشطة السياسية والباحثة في حقوق الإنسان شادي أمين.

 

ما هو تعريفك للفاشية وما هي العوامل المؤثرة على انتشارها؟

تقوم الفاشية على أساس "الآخر"؛ بمعنى أنها تعتبر تعريفها لذاتها وهويتها أسمى وأجل من أي هوية أو أولوية أخرى، وتذهب هذه العملية أحياناً إلى حدّ إقصاء "الآخر" وتدميره.

في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي خضم الحرب والأزمات، نرى مثالاً واضحاً على هذا التوجه في ألمانيا، حيث أوصل النظام النازي، بقيادة هتلر، الخطاب الفاشي إلى حدود معاداة السامية، والعداء للمهاجرين، وإقصاء ذوي الإعاقة، أدت هذه الأيديولوجية في نهاية المطاف إلى جرائم وإبادة جماعية واسعة النطاق ندرك اليوم من خلال استعراض آثارها، عمق الكارثة وضرورة اليقظة ضد الفاشية.

في عصرنا الحالي، يظهر هذا النمط الخطير بوضوح من خلال صعود التيار القومي الإيراني، الذي حظي بدعم واسع من مؤيديه، الذين لا يقتصرون على فئة معينة، بل يمتد تأثيرهم إلى دائرة مؤيدي رضا بهلوي. تعتمد هذه الحركة على "التمييز العرقي" ليس فقط ضد خصومها السياسيين، بل أيضاً ضد كل من لا ينتمي إلى العرق الفارسي، وأولئك الذين ينتقدونها، وحتى من لا يؤيدونها.

هذا هو الخطر الذي ينبغي التحذير منه، فإذا تساءلنا عن التهديد الذي قد تطرحه الفاشية التي تتحدث عن الهوية الإيرانية، والتي تبدو للوهلة الأولى شاملة للجميع، يجب أن نطرح بعض الأسئلة على سبيل المثال "ما هو الأساس الذي تُعرّف به هذه الهوية الإيرانية المُروّج لها؟ ومن هم الأشخاص الذين يتم استبعادهم من هذه الهوية؟" فالفاشية، حتى وإن تظاهرت بالوحدة والقومية، تعتمد دائماً على رفض الآخر وإقصائه وتجاهله، وغالباً ما تكون النساء والأقليات والمعارضون هم أول ضحاياها.

وهنا يبرز السؤال الأساسي، هل تشمل "الأمة" التي يتحدثون عنها فعلاً جميع الطبقات والأعراق والهويات المتنوعة؟ الإجابة واضحة: لا. ما تم تأسيسه هو أمة أحادية اللغة تعتمد على إقصاء الآخر وتهميشه، وإذا نظرنا بعمق، سنكتشف أن النساء، كما هو الحال دائماً، هن من أوائل ضحايا هذه الرواية الفاشية.

خلال فترة الفاشية، تحولت النساء إلى أدوات لتسلية الضباط النازيين، حيث كان دورهن شكلياً في المجال العام، بينما بدت شخصياتهن عائلية ظاهرياً، لكنهن كن في الحقيقة مجرد زينة لتعزيز صورة رجال السلطة. فيما بعد، قامت زوجات الحكام الديكتاتوريين والملكات والسيدات الأُوائل في الأنظمة الاستبدادية بأداء نفس الدور؛ حضورٌ رمزي بجانب الديكتاتور، يساهم في تطبيع صورة القمع.

لا يزال هذا النمط واضحاً اليوم بين مؤيدي النظام الملكي. يكفي أن نلاحظ رد فعلهم على مقتل إلهة حسين نجاد كان الصمت هو السمة الغالبة فهم لا يأخذون الأمر على محمل الجد وكذلك الأمر بالنسبة لمقتل كبرى رضائي، المهاجرة الأفغانية، حيث تكرر الصمت واللامبالاة والتجاهل.

هنا يبدأ الشك في صدق دفاعهم عن حقوق المرأة. لقد شهدنا كيف تعرضت النساء في الشوارع للإهانات والشتائم لمجرد مخالفتهن للخطاب الرسمي، كما لاحظنا كيف قاموا بتغيير شعار Jin Jiyan Azadî، بإضافة عبارات مثل "الإنسان، الوطن، الاستقرار"، مما يقلل من دور المرأة ويضع الرجال في مقدمة الحركة، وكأنهم لا يستطيعون تحمل غياب الرجال حتى لفترة قصيرة عن قيادة هذه الحركة.

 

تسعى القوانين الإيرانية لتقييد المهاجرين الأفغان بشدة وإقصائهم من المجتمع، لماذا يُروّج النظام نفسه للفاشية، داخلياً وخارجياً، في الوقت نفسه؟

أظهر حزب "إيران الجديد"، الذي يقوده شخصيات مثل حامد شيباني راد وآخرون، في مناسبات عديدة عداءً تجاه النساء، وفي بيانٍ لهم حول المهاجرين الأفغان، وصفوا طردهم بأنه "مطلبٌ وطني"، دون أن يتطرقوا بكلمة واحدة إلى انتهاكات حقوق هؤلاء المهاجرين الإنسانية.

تظهر طريقة حديثهم عن الكرد، ومعاملتهم للأتراك بازدراء واحتقار، عداء لا ينشأ من اختلاف، بل من تشابه جوهري، فرغم محاولاتهم إظهار أنفسهم كأشخاص مختلفين عن الجمهورية الإسلامية، إلا أن الروابط الخفية لهويتهم تظل واضحة. يكفي أن ننظر إلى قربهم الفكري من قادة الحرس الثوري الإيراني، وكذلك شخصيات مثل مهدي نصيري، الذي دعا إلى العنف ضد المرأة وكان ممثلاً مباشراً للمرشد الأعلى.

هذا القرب ليس صدفة؛ فهما يتشاركان صورةً مشتركةً لمجتمعٍ يتمتع فيه الرجال بـ"أقصى درجات الحرية" والقيادة لهم. الفقيه رجل، وولي العهد ابن الملك. تتجلى هذه البنية الذهنية الأبوية جليةً في كلٍّ من النظام الملكي والجمهورية الإسلامية.

 

لماذا تستهدف الفاشية جسد المرأة على وجه التحديد، ولماذا يتم استخدام جسدها كأداة حرب في المقام الأول؟

عندما نتناول موضوعات العنصرية والفاشية والتمييز الجنسي، فإننا نشير إلى أنظمة قائمة على فكرة التفوق. ويعبر التمييز الجنسي عن الاعتقاد بتفوق جنس على آخر، وفي هذه الحالة، يتعلق الأمر بتفوق الرجال على النساء.

تتداخل هذه الأنظمة بشكل عميق، فعند النظر إلى التسلسلات الهرمية الاجتماعية، نلاحظ أن معظم المجتمعات تضع الرجال في القمة والنساء في القاع. يتكرر هذا الهيكل ليس فقط في الجمهورية الإسلامية، بل أيضاً في تفكير شريحة واسعة من الرجال في المجتمع. في الحقيقة، النظام الأبوي لا يمثل مجرد أيديولوجية للدولة، بل هو جزء من الثقافة السائدة.

استجاب بعض الرجال لضغوط خطاب المساواة والحركة النسائية، وأُجبروا على الاعتراف بحقوق المرأة. ومع ذلك، لا يزال معظم الرجال غير مستعدين للتخلي عن السلطة والامتيازات التي يتمتعون بها، وهذا الرفض يعيق تحقيق المساواة الحقيقية.

يتجلى نفس النمط في العنصرية، حيث تعتمد الفاشية أيضاً على منطق مشابه تماماً. أولاً، تُعتبر أمتك متفوقة وفي داخل تلك الأمة يُعتبر الرجال أيضاً متفوقين. في هذا السياق، يبدأ التسلسل الهرمي الاجتماعي بالجنس، ثم يمتد ليشمل الجنسية والعرق والدين، مما يؤدي في النهاية إلى تشكيل "صيغة هيمنة".

يتضح هذا في قوانين الجمهورية الإسلامية حيث يُعتبر الرجل رب الأسرة والدين الرسمي هو الشيعي واللغة السائدة هي الفارسية. في قمة هذا الهرم نجد "الرجل الفارسي الشيعي" يظهر التمييز على أساس الجنس والعنصرية والفاشية.

لذا، فإن هذه الخطابات ليست منفصلة، بل هي متشابكة بعمق، ومن المستحيل فهمها دون أخذ ترابطها بعين الاعتبار.

 

في الوضع الراهن، ما هو دور الحركات النسائية في إيران؟ خصوصاً بالنظر إلى اختلاف وضع المرأة في الأقليات المضطهدة كالبلوش، وهل استطاعت الحركة النسائية اتخاذ خطوات فعّالة حتى الآن؟

مسؤوليتنا تكمن في النظر إلى قضايا المرأة من منظور مصالحها وآرائها. إنها قضية جدية وحيوية ومع ذلك، فإن هذه النظرة لا تعني التعامل معها بشكل سطحي أو شكلي.

إذا كانت لدينا اليوم حركة نسائية متماسكة وفعالة، كما كانت قبل عشرين عاماً، لكان وحيد بهمن مضطراً للاعتذار. لو كانت الحركة النسائية نشطة، لكان من الضروري معالجة التصريح السلبي المعادي للنساء الذي أدلى به بهلوي؛ حيث علق فيه النضال حتى ظهور "حكومة وطنية" و"أمن حدود النساء" حتى نحصل نحن على حريتنا. هذا ليس مجرد تعليق على النضال في الوقت الراهن، بل هو أيضاً إعادة إنتاج للوهم الذي ساد بعد ثورة 1979، حيث اعتقد الكثيرون أن قضايا المرأة ستُحل تلقائياً مع سقوط النظام.

نلاحظ الآن أن هذه المشكلات لم تُحل فحسب، بل أصبحت في بعض الحالات أكثر تعقيداً واستمرارية. ومع ذلك، لم تتلقَ نصوص البيان انتقادات جدية من الحركة النسائية، مما يشكل فراغاً نواجهه، يجب علينا أن نتحدث من منظور مصالح المرأة، حيث يتعين على المرأة الكردية أو البلوشية أن تدرك أولاً حياتها كامرأة من عرقها، وأن تفهم أنها بسبب وضعها العرقي تتمتع بحقوق وفرص أقل مقارنة بالمرأة في المركز.

ليس الهدف هو التركيز على الفجوات أو إثارة الانقسامات؛ بل على العكس، فإن الاعتراف بالاختلافات يعزز من التقارب ويقوي التحالفات، مما يجعل أدب التضامن أكثر واقعية. يمكننا أن نستمع إلى آلام بعضنا البعض، ونتحمل المسؤولية، ونتساءل: أين كان دورنا؟ كيف ساهمنا في إعادة إنتاج هذه العلاقات؟

تُعتبر هذه الأسئلة أساسية. وللأسف، ألاحظ أن الحركة النسائية الإيرانية في الفترة الأخيرة لم تكن فعّالة في معالجة هذه القضايا. على الرغم من شجاعة النساء اللواتي تناولن هذه المواضيع بشكل فردي، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى حركة متماسكة ومسؤولة تستطيع مواجهة هذه الروايا